لم أكن كبقية الأطفال، يأكلون الزبادى بالسكر أو العسل. يبدو أن لدى مشكلة فى تذوق طعوم مختلطة. فلم يكن لدى القدرة على تذوق طعم اللبن الحامضى بالسكر، وكنت أشعر بالغثيان إذا شربت الزبادو.
أعترف لنفسى أن جهازى العصبى كان ساذجا (بسيط جدا) لدرجة التوتر والانزعاج إذا اختلط طعمان مختلفان فما بال جهاز مشاعرى إذا تعرض للحب؟
أخذت من الصدمات ما يكفى لأتعلم أن العلاقات الإنسانية ليست بهذه البساطة المفرطة التى تجعلنا نحلل العلاقات إلى عوامل منفصلة، كنت أرى الرجل منهم مجموعة من الصفات الجيدة مجتمعة فى إنسان، ويبدو أن قلبى قبل عقلى كان يعجز عن تركيب هذه الصفات معا ثم تفاعلها بشخصى أنا.
كم مرة عدت إلى منزلى مصدومة برد فعل منى أومنه غير متوقع بالنسبة لى. أبكى أحيانا، وأحيانا أخرى أكتب. أعود لأحلل من جديد، هادىء، يحب القراءة، رومانسى ، يسكن فى وسط البلد، صريح، منطو، يحب الكيمياء، مهوس بالسينما الأمريكانى... لم أكن من النضج الأنثوى الكافى لأرى مدى تشابك العلاقات الإنسانية، وتعقيد النفس البشرية. وأنه من السذاجة إخضاعها للعلاقات البسيطة فالأمر ليس دالة رياضية، الأمر أعمق وأعقد من ذلك بكثير، الأمر هيولى.
أعود وأرتب من جديد وأحلل وأفهم، أحاول أن أفهم. تفشل علاقاتى واحدة تلو الأخرى. أكتسب حذرا وشيئا أعمق من النظرة الخارجية التى تجعلنى أعجب برجل لأنه يشبه الصورة التى أحملها فى خيالى.
أكتسب خبرة فأحول مسار علاقات عند النقطة الفاصلة ومسارات أخرى منذ البداية، وأنهى الكثير من العلاقات التى لم تبدأ بعد.
العلاقات تأتى عند التفاصيل الدقيقة الصغيرة وتأخذ مسارات جديدة. إن أى تاثير بسيط جدا قد يحول مسارها إلى اتجاه مغاير تماما. الأمر الذى استوعبته أخيرا.
فى الواقع كونه سلبيا، كونى محبة للعزلة، كونه عصبيا، كونى مهوسة بالنظام، كونه ديكتاتورا، كونى منطلقة ... ليست أسبابا كافية أومؤثرة لأخذ منعطفا جديدا فى علاقة. قد تكون البيتزا بالجبن التى لم يدعونى ولو مرة لتناولها، أو الورد التركوازى الذى لم يحضره لى بدون مناسبة، أو حتى أغنية فيروز"بعدك على بالى" التى لم يسمعها هى التى شكلت مسار العلاقة الحقيقى.
أصل لنقطة أدرك فيها امتزاج جزيئات العلاقة بالعوامل المحيطة بها. ينتابنى شعور أننى أغوص فى دوامة من الألوان البرتقالية المختلطة بالبنفسجية ومع ذلك أطفو بحرية على سطحها. راحة. ارتباك. سعادة.أبتسم لنفسى غير آسفة على فشل جديد.
تدعونى صديقتى لتناول آيس كريم زبادى بالتوت، يقفز إلى حلقى فورا طعم الزبادو، أتردد قليلا ثم أقبل. أُفاجأ بنفسى وقد التهمته كاملا. كان صادما لى أن أنبهربالزبادى المخلوط بطعم حلو.